الوصايا الطبية العشر
في شهر الصيام
الدكتور
حسان شمسي باشا
زميل الكلية الملكية للأطباء في لندن
زميل الكلية الملكية للأطباء في غلاسجو
زميل الكلية الملكية للأطباء في أيرلندا
زميل الكلية الأمريكية لأطباء القلب
استشاري أمراض القلب في مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة
شهر رمضان ، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن ، شهر العتق والغفران ، شهر الصدقات والإحسان.
وفي رمضان يحلو الحديث عن فوائد رمضان الصحية والنفسية . ولكن لا بد هناك من لفتات ووصايا ، فقد تكون هناك أخطاء طبية يفعلها البعض من دون قصد . ونستعرض في هذا المقال الوصايا الطبية العشر التي تهم كل صائم وصائمة :
1. " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " :
حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه . وفي التعجيل بالإفطار آثار صحية ونفسية هامة. فالصائم يكون في ذلك الوقت بحاجة ماسة إلى ما يعوضه عما فقد من ماء وطاقة أثناء النهار . والتأخير في الإفطار يزيد من انخفاض سكر الدم ، مما يؤدي إلى الشعور بالهبوط والإعياء العام . وفي ذلك تعذيب نفسي لا طائل منه ، ولا ترضاه الشريعة السمحاء .
2. " إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر " :
وهذا حديث آخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الأربعة . وعن أنس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم تكن رطبات فتميرات ، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من الماء " رواه الترمذي وأبو داود .
فالصائم عند الإفطار بحاجة إلى مصدر سكري سريع ، يدفع عنه الجوع ، مثلما هو بحاجة إلى الماء . والإفطار على التمر والماء يحقق الهدفين ، وهما دفع الجوع والعطش .
وتستطيع المعدة والأمعاء الخالية امتصاص المواد السكرية بسرعة كبير . كما يحتوي الرطب والتمر على كمية من الألياف مما بقي من الإمساك ، ويعطي الإنسان شعورا بالامتلاء فلا يكثر الصائم من تناول مختلف الطعام .
3. افطر على مرحلتين :
فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعجل فطره على تمرات أو ماء ، ثم يعجل صلاة المغرب ، ويقدمها على إكمال طعام إفطاره . وفي ذلك حكمة نبوية رائعة . فتناول شيء من التمر والماء ينبه المعدة تنبيها خفيفا ، وخلال فترة الصلاة تقوم المعدة بامتصاص المادة السكرية والماء ، ويزول الشعور بالعطش والجوع . ويعود الصائم بعد الصلاة إلى إكمال إفطاره ، وقد زال عنه الشعور بالنهم . ومن المعروف أن تناول كميات كبيرة من الطعام دفعة واحدة وبسرعة كثيرا ما يؤدي إلى انتفاخ المعدة وحدوث عسر الهضم .
4.تجنب النوم بعد الإفطار :
بعض الناس يلجأ إلى النوم بعد الإفطار . والحقيقة ، فإن النوم بعد تناول وجبة طعام كبيرة ودسمة قد يزيد من خمول الإنسان وكسله . ولا بأس من الاسترخاء قليلا بعد تناول الطعام . وتظل النصيحة الذهبية لهؤلاء الناس هي ضرورة الاعتدال في تناول طعامهم ، ثم النهوض لصلاة العشاء والتراويح ، فهي تساعد الجسم على هضم الطعام ، وتعيد لهم نشاطهم وحيويتهم .
5. " تسحروا فإن في السحور بركة " :
فقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي رواه الشيخان ، بضرورة تناول وجبة السحور .
ولا شك في أن تناول السحور يفيد في منع حدوث الإعياء والصداع أثناء نهار رمضان ، ويخفف من الشعور بالعطش الشديد .
كما حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على تأخير السحور فقال : " ما تزال أمتي بخير ما عجلوا الإفطار وأخروا السحور " . ويستحسن أن يحتوي طعام السحور على أغذية سهلة الهضم كاللبن الزبادي والعسل والفواكه وغيرها .
6. اختر لنفسك غذاء صحيا متكاملا :
فاحرص على أن يكون غذاؤك متنوعا وشاملا لكافة العناصر الغذائية ، واجعل في طعام إفطارك مقدارا وافرا من السلطة ، فهي غنية بالألياف ، كما تعطيك إحساسا بالامتلاء والشبع ، فتأكل كمية أقل من باقي الطعام . وتجنب التوابل والبهارات والمخللات قدر الإمكان . كما يستحسن تجنب المقالي والمسبكات ، فقد تسبب عسر الهضم وتلبك الأمعاء .
7. " كلوا واشربوا ولا تسرفوا " ( الأعراف 31 ) :
تلك هي آية في كتاب الله ، جمعت علم الغذاء كله في ثلاث كلمات . فإذا جاء شهر رمضان والتزم الصائم بهذه الآية ، وتجنب الإفراط في الدهون والحلويات والأطعمة الثقيلة ، وخرج في نهاية شهر رمضان ، وقد نقص وزنه قليلا ، وانخفضت عنده الدهون ، يكون في غاية الصحة والسعادة . وبذلك يجد في رمضان وقاية لقلبه ، وارتياحا في جسده .
فالكنائف والقطائف وكثير من الحلويات واللحوم والدسم تتحول في الجسم إلى دهون ، وزيادة في الوزن ، وعبء على القلب . وقد اعتاد الكثير منا على حشو بطنه بأصناف الطعام ، ثم يطفئ لهيب المعدة بزجاجات المياه الغازية أو المثلجة .
وقد أكد الباحثون أنه على الرغم من عدم التزام الكثير من المسلمين للأسف الشديد ، بقواعد الإسلام الصحية في غذاء رمضان ، ورغم إسرافهم في تناول الأطباق الرمضانية الشهيرة ، فإن صيام رمضان قد حقق نقصا في وزن الصائمين بمقدار 2 - 3 كيلوجرامات في عدد من الدراسات العلمية .
8. " إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يغضب " :
حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه . فماذا يفعل الغضب في رمضان ؟
من المعلوم أن الغضب يزيد من إفراز هرمون الأدرينالين في الجسم بمقدار كبير . وإذا حدث ذلك في أول الصيام ( أي أثناء هضم الطعام ) فقد يضطرب الهضم ويسوء الامتصاص . وإذا حدث أثناء النهار تحول شيء من الغليكوجين في الكبد إلى سكر الجلوكوز ليمد الجسم بطاقة تدفعه للعراك ، وهي بالطبع طاقة ضائقة .
وقد يؤدي ارتفاع الأدرينالين إلى حدوث نوبة ذبحة صدرية عند المصابين بهذا المرض ، كما أن التعرض المتكرر للضغوط النفسية يزيد من تشكل النوع الضار من الكولسترول ، وهو أحد الأسباب الرئيسية لتصلب الشرايين .
9. رمضان فرصة للتوقف عن التدخين :
من المؤكد أن فوائد التوقف عن التدخين تبدأ منذ اليوم الأول الذي يقلع فيه المرء عن التدخين ، فمتى توقف عن التدخين بدأ الدم يمتص الأوكسجين بدلا من غاز أول أكسيد الكربون السام ، وبذلك تستقبل أعضاء الجسم دما مليئا بالأوكسجين . وتخف الأعباء الملقاة على القلب شيئا فشيئا .
والمدخنون الذي يريدون الإقلاع عن هذه العادة الذميمة سوف يجدون في رمضان فرصة جيدة للتدرب على ذلك . فإذا كنت أيها الصائم تستطيع الإقلاع عن التدخين لساعات طويلة أثناء النهار، فلماذا لا تداوم على ذلك ؟ وليس هذا صعبا بالتأكيد ، ولكنه يحتاج إلى عزيمة صادقة ، وتخيل دائم لما تسببه السيجارة من مصائب لك ولمن حولك .
10. تجنب الماء البارد جدا والبهارات والحريفات :
بعض الناس يتجرع كمية كبيرة من الماء البارد جدا أو المثلج عند الإفطار قبل أن يتناول أي طعام ، وهذا عمل غير محمود ، فقد يؤدي إلى توتر عضلات المعدة ، وبطء حركتها .
والبعض الآخر يفرط في تناول البهارات والحريفات كالفلفل والشطة ، فقد يؤدي ذلك إلى تهيج المعدة وتخريش غشائها المخاطي .
كما أن الإفراط في المخللات والمقبلات يزيد من تناول ملح الطعام الذي تحويه مما يسبب المزيد من العطش ، وبالتالي شرب المزيد من الماء ، مما يربك المعدة ويعيق الهضم .
فيستحسن تجنب المخللات والمقبلات والبهارات والحريفات قدر الإمكان .
* * *
وأخيرا هل حقا نصوم رمضان ؟
فالصيام حركة في النهار سعيا وراء الرزق الحلال ، وهو حركة في الليل في صلاة التراويح ، وهو دعوة لجسم سليم ، وقلب تائب لله ، طامع في رحمته .
ولكن للأسف الشديد ، فإن الصيام الذي يمارسه البعض منا ، ليس هو الصيام الذي شرعه الخالق ، فهو نوم لمعظم النهار ، وغضب لأتفه الأسباب بدعوى الصيام .
فالصيام عند البعض كسل جسدي ، وانفعال نفسي في النهار ، وتخمة وسهر في اللهو والعبث في ليل رمضان !!
أليس من الحرام أن نضيع هذا الموسم الفياض بالخيرات كل عام ؟ أليس رمضان موسما للطاعة والعبادة ، وموسما للصحة والسعادة ، وفوق هذا وذلك مغفرة وعتقا من النار .