استنبات خلايا القلب

مشاهدات : 8680
العدد 523 - 2002/6 
استنبات خلايا القلب
 
لأول مرة في التاريخ يقوم الأطباء بزراعة خلايا من نخاع العظام في قلب مريض مصاب باحتشاء - أو جلطة - القلب. جاء ذلك في تقرير أصدرته جامعة دوسلدورف الألمانية منذ شهور, وهي قفزة علمية تتوهج بها آمال عريضة, وتثير من حولها الكثير من الجدل العلمي والأخلاقي.
 
بعد أربعة أيام من إصابة مريض يبلغ 46 عاماً بجلطة كبيرة في القلب أدت إلى تموّت جزء كبير من القلب, قام الدكتور (سترور) وفريقه الطبي بأخذ خلايا جذعية Stem Cells من نخاع عظام المريض ذاته. ثم قاموا بتركيز هذه الخلايا في أنابيب الاختبار, وفي اليوم التالي حُقنت هذه الخلايا في الشريان التاجي المصاب بعد استخدام النفخ بالبالون. وقد أدى ذلك إلى تحسن ملحوظ في وظيفة عضلة القلب. وبعد عشرة أسابيع من زرع تلك الخلايا صغر حجم المنطقة المصابة بالاحتشاء (جلطة القلب). ويفترض الدكتور (سترور) أن هذه الخلايا المزروعة في منطقة متموّتة من القلب, قد تمايزت إلى خلايا قلبية, مما أدى إلى تحسن في وظيفة عضلة القلب, رغم أنه لا يمكن في هذا الوقت إثبات تلك الفرضية لأنه لم تؤخذ بعد عينة من عضلة القلب وتدرس باثولوجياً.
 
وبعد نجاح هذا الزرع, قام الفريق ذاته بمعالجة ستة مرضى آخرين بالطريقة نفسها, وبنجاح جيد.
 
أصداء وردود
 
وصلت أخبار هذا الحدث إلى المؤتمر الأوربي لأمراض القلب الذي عُقد في أوائل شهر سبتمبر 2001 في ستوكهولم. وتباينت آراء الخبراء في هذا المجال بين مُشجع ومُشكك.
 
فمن الفريق الأول انبرى البروفسور (فيليب بول ويلسون) من معهد القلب الوطني في لندن الذي أعرب عن تشجيعه لهذا البحث شريطة أن تجرى الأبحاث وفق المعايير العلمية الصحيحة. ومن الفريق الآخر الدكتورة (دوريس تايلور) من جامعة (ديوك الأمريكية) التي اعتقدت أن وضع مثل تلك الخلايا في قلب مريض مصاب بجلطة في القلب سابق لأوانه, فليس هناك سوى دراسات قليلة جداً توحي بفعالية وسلامة مثل هذا الإجراء عند الحيوانات.
 
وقد شجعت الدكتورة تايلور في مقال نشر في شهر سبتمبر 2001 في مجلة Current Control Trials استخدام الخلايا المأخوذة من العضلات (أرومة العضلية) Myoblasts كخيار أفضل في هذا المجال. فهناك عشر سنوات من الأبحاث المخبرية التي أجريت على الحيوانات والتي أظهرت سلامة هذه التجارب عند الحيوانات. واستعمال هذه الخلايا سهل المنال, فهي مهيأة بإرادة بارئها لأن تكون عضلة في المستقبل.
 
ومن جهة أخرى, أعلن الطبيب الفرنسي (فيليب مينساشي) أنه يخبئ في جعبته نتائج دراسته التي قام بها على تسعة مرضى تم خلالها زراعة خلايا مأخوذة من العضلات كمفاجأة يعلنها في المؤتمر الأمريكي لأمراض القلب الذي يُعقد بعد شهور.
 
والخلايا الجذعية التي تشكّل لبنات هذه القفزة العلمية هي خلايا أولية تتكون في الجنين في اليوم الخامس إلى السابع من التلقيح, وتتكون منها كل خلايا الجنين, ولها القدرة على التحول إلى أي نوع من خلايا الجسم البالغة 220 نوعاً. ومنها تتشكل كل الأعضاء والأنسجة, وتبقى في جسم الإنسان مجموعة محدودة إلى مرحلة الإنسان البالغ, حيث توجد في نخاع العظم بنسبة خلية جذعية من كل عشرة آلاف خلية. ويأمل الباحثون أن يتم تحويل هذه الخلايا الجذعية إلى ما يحتاج إليه المريض من خلايا حسب مرضه, فيمكن أن تتحول إلى خلايا كلى, وبالتالي تعالج الفشل الكلوي, أو خلايا كبد فتعالج الفشل الكبدي, أو خلايا قلب, فتعالج فشل القلب.
 
ويمكن الحصول على هذه الخلايا من:
 
1- الإنسان البالغ من نخاع العظم.
 
2- الحبل السري والمشيمة من المواليد حديثاً.
 
3- خلايا الأجنة الباكرة, ولهذه مصادر أربعة:
 
- اللقائح الفائضة من مشاريع أطفال الأنابيب.
 
- الإجهاض أو السقْط.
 
- الاستنساخ.
 
- بييضة ملقحة من متبرعين وتنمية اللقيحة حتى تصل إلى مرحلة معينة, وعندها تؤخذ منها الخلايا الجذعية.
 
وقد تم فعلاً استخدام هذه الطرق الأربع رغم اعتراض الكنيسة الكاثوليكية والبابا ومجموعات كبيرة من الأخلاقيين في الولايات المتحدة وأوربا. حتى أن الرئيس جورج بوش الابن, أوحى بأنه يمكن أن يوقف كل التمويل المالي لمثل تلك التجارب.
 
أما استخدام الخلايا الجذعية الموجودة في الإنسان البالغ لإصلاح عضو آخر فلا يعتقد أنها مثيرة للجدل من الناحية الأخلاقية.
 
أمل جديد
 
عندما يصل الأمر إلى مرض شرايين القلب, فإن شأن الوقاية مهم جداً لسببين. الأول: أنه عندما تتموّت عضلة القلب فمن غير المحتمـــل أن ينبـعث فيها النشاط من جديد. والثاني: أن موت خلايا القلب مازال السبب الرئيسي لفشل القلب. وعندما يتموّت جزء من عضلة القلب فإن على الجزء المتبقي أن يعمل بنشاط أكبر, الأمر الذي يجعلها أكثر عرضة للمضاعفات.
 
ورغم أن التطورات التكنولوجية الحديثة في جراحة القلب, كالقلب الاصطناعي, والجهاز المساعد للبطين الأيسر, برغم أنها اختراعات مثيرة في علاج اعتلال عضلة القلب, فإنها تحمل في طياتها مخاطر حدوث النزف والإنتان الجرثومي. إضافة إلى أننا لا نعرف بالضبط حالياً فعاليتها على المدى الطويل.
 
ولهذا فإن العلاج المثالي لفشل القلب, ربما يكون في تبديل أنسجة قلبية طبيعية بالجزء المصاب من عضلة القلب.
 
وتوحي العديد من الدراسات بأن هذا الحل محتمل. ولكن زرع أنسجة جديدة في القلب يترافق بتحديّات مهمة. فعضلة القلب تستعمل الكثير من الأكسجين, الذي تؤمّنه لها شبكة من الأوعية الدقيقة تدعى الشعيرات الدموية. والأمر الآخر هو أنه لكي تتقلص عضلة القلب, ينبغي أن تكون الخلايا متوضعة باتجاه خاص, وتستقبل إشارات كهربائية متزامنة.
 
ولهـــذه الأسبــاب (ولأسباب عديدة أخرى) فإنه لايبدو من المحتمل - على الأقل في المنظور القريب - زرع كتلة من أنسجة قلب طبيعي في منطقة متموّتة من عضلة القلب.
 
وكنتيجة لهذا, عمل الباحثون بفكرة حقن خلايا جديدة في المنطقة المتموّتة من القلب. وعندئذ, تنتظم هذه الخلايا, وتصطف بطريقة صحيحة, وتحصل على اتصالاتها الكهربائية وتوعيتها الدموية. ورغم أن هذا سهل على ما يبدو على الورق, فإنه يحتاج إلى خلايا قلبية فعّالة.
 
تعليم الخلايا القديمة وظائف جديدة
 
يفترض العلماء أنه يمكن لبعض الخلايا (مثل الخلايا الجنينية الأولى) أن تتطور إلى أنواع مختلفة من الخلايا.
 
ولكن, حتى فترة قريبة جدا, كان العلماء يعتقدون أنه ما إن يحل وقت الولادة حتى تكون معظم خلايا الإنسان قد تمايزت وتخصصت في أعمالها ووظائفها. فخلايا كل عضو تؤدي وظيفة ذلك العضو ولا آخر سواه.
 
والحقيقة أن الأبحاث العلمية في أمريكا على الخلايا الجنينية ذات إشكاليات كبيرة من الناحية الأخلاقية, والآراء فيها متعارضة جداً بسبب ما يمكن أن تُحدث من مشاكل. ولهذا يبدو أن الاستراتيجية العلاجية التي تعتمد على استخدام الخلايا الجنينية, ربما تكون صعبة التطبيق, أو ربما شبه مستحيلة - كما يقول الباحثون في جامعة هارفارد -.
 
ولكن العلماء الآن يرفضون فكرة (انتهاء تمايز الخلايا) فكما نعلم فإنه في بعض الظروف, تتحول بعض خلايا جذعية في نخاع العظم إلى خلايا من نوع آخر.
 
وقد قام الباحثون في جامعة نيويورك بعزل خلايا جذعية من نخاع العظم عند الفئران, وحقنوها في قلوب فئران أخرى, أحدث الباحثون فيها جلطة في القلب. فتكيّفت هذه الخلايا المحقونة في وظيفتها لتصبح خلايا عضلية قلبية أو خلايا أوعية الدم. وأظهرت نتائج هذه الدراسة التي نشرت في مجلة Nature في شهر أبريل 2001 أن هناك تحسناً في وظيفة عضلة القلب.
 
وليس نخاع العظم بالمصدر الوحيد لإصلاح خلايا القلب. فبعد أن أحدث الباحثون من جامعة بوسطن جلطة في القلب عند الفئران قاموا بحقن هذه الفئران بخلايا مأخوذة من عضلات ساق الفأر. وبعد ستة أسابيع وجد الباحثون أن 92% من الخلايا المحقونة ظلت حية تمارس وظيفة عضلة القلب. وليس هذا فحسب, بل إن وظيفة القلب عند الفئران التي أحدثت عندهم جلطة في القلب, قد تحسنت وتحسن أداؤها الوظيفي وتحمّلها الجهد. وقد نشرت نتائج هذا البحث في مجلة Circulation الأمريكية الشهيرة في شهر أبريل 2001.
 
وتوحي نتائج هذه التجارب بإمكان تطبيقها على الإنسان, واستخدامها في علاج المرضى المصابين بجلطة في القلب. وفعلاً قام الباحثون مثل الدكتور سترور - كما ذكرنا سابقاً - بإجراء أول دراسة من نوعها على الإنسان. ولكن لا نستطيع حتى الآن الجزم بأن الخلايا المزروعة سوف تحصل على التوصيلات الكهربائية الصحيحة في القلب أم لا. فحصول توصيلات كهربائية خاطئة ربما يفاقم مشاكل القلب بدلاً من أن يخففها.
 
ولابد من إجراء بحوث مستفيضة في هذا المجال قبل تطبيقها على المستوى السريري في علاج المرضى. ومع ذلك فإن النتائج الأولية كانت مشجعة, وربما تقهر الاعتقاد السائد الآن أننا لا نستطيع إصلاح العطب الحاصل في عضلة القلب.
 
ولكن علينا دوماً ألاّ نجري لاهثين خلف تلك التجارب, وننسى الحقيقة التي تقول: (إن أفضل طريقة لعلاج أي مرض هي تجنب الإصابة به). فمهما كانت هذه التقنيات العلاجية مثيرة للغاية... فإنها لن تتفوق أبدا على أهمية الالتزام بالغذاء الصحي, وبالنشاط الرياضي المنتظم, وبالتوقف عن التدخين. وإذا كنت مصاباً بمرض شرايين القلب, فمن الحكمة أن تفعل كل شيء لتحافظ على قلبك من كل خطر جديد...!!!



نشر